فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ}
اختلفوا في الدواب.
فقيل: شبههم بالدواب لجهلهم وعدولهم عن الانتفاع بما يقولون.
ويقال لهم: ولذلك وصفهم بالصم والبكم وبأنهم لا يعقلون.
وقيل: بل هم من الدواب لأنه اسم لما دب على الأرض ولم يذكره في معرض التشبيه، بل وصفهم بصفة تليق بهم على طريقة الذم، كما يقال لمن لا يفهم الكلام، هو شبح وجسد وطلل على جهة الذم.
ثم قال: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} والمعنى أن كل ما كان حاصلًا فإنه يجب أن يعلمه الله فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه، فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده، وتقرير الكلام لو حصل فيهم خير، لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهيم، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بها، ولتولوا وهم معرضون.
قيل: إن الكفار سألوا الرسول عليه السلام أن يحيي لهم قصي بن كلاب وغيره من أمواتهم ليخبروهم بصحة نبوته، فبين تعالى أنه لو علم فيهم خيرًا، وهو انتفاعهم بقول هؤلاء الأموات لأحياهم حتى يسمعوا كلامهم، ولكنه تعالى علم منهم أنهم لا يقولون هذا الكلام إلا على سبيل العناد والتعنت، وأنه لم أسمعهم الله كلامهم لتولوا عن قبول الحق ولأعرضوا عنه، وفي هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى حكم عليهم بالتولي عن الدلائل وبالإعراض عن الحق وأنهم لا يقبلونه ألبتة، ولا ينتفعون به ألبتة.
فنقول: وجب أن يكون صدور الإيمان منهم محالًا، لأنه لو صدر الإيمان، لكان إما أن يوجد ذلك الإيمان مع بقاء هذا الخبر صدقًا أو مع انقلابه كذبًا والأول محال، لأن وجود الإيمان مع الأخبار بعدم الإيمان جمع بين النقيضين وهو محال.
والثاني محال، لأن انقلاب خبر الله الصدق كذبًا محال.
لاسيما في الزمان الماضي المنقضي، وهكذا القول في انقلاب علم الله جهلًا، وتقريره سبق مرارًا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله}، يعني شر الناس عند الله: {الصم} عن الهدى {البكم}، يعني الخرس الذين لا يتكلمون بخير، {الذين لاَ يَعْقِلُونَ} الإيمان، يعني بني عبد الدار وغيرهم من الكفار، لم يسلموا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ شَرَّ الدواب} يعني أن شرّ الدواب على وجه الأرض من خلق الله: {عِندَ الله} فقال الأخفش: كل محتاج إلى غذا فهو دابة.
{الصم البكم} عن الحق كأنّهم لا يسمعون ولا ينطقون.
قال ابن زيد: هم صم القلوب وبكمها وعميها. وقرأ {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46].
وقال ابن عباس وعكرمة: هم بنو عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صُمٌّ بُكم عُمّي عن مخاطبة محمد لا نسمعه ولا نجيبه، فكانوا جميعًا بأُحد، وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلاّ رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة {الذين لاَ يَعْقِلُونَ} أمر الله. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}
أما الدواب فاسم لكل ما دب على الأرض من حيوانها لدبيبه عليها مشيًا، وكان بالخيل أخص. والمراد بِشَرِّ الدواب الكفار لأنهم شر ما دبّ على الأرض من الحيوان.
ثم قال: {الصُّمُّ} لأنهم لا يسمعون الوعظ.
{الْبُكْمُ} والأبكم هو المخلوق أخرس، وإنما وصفهم بالبكم لأنهم لا يقرون بالله تعالى ولا بلوازم طاعته.
{الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يعقلون عن الله تعالى أمره ونهيه.
والثاني: لا يعتبرون اعتبار العقلاء.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في بني عبد الدار. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)}
المقصود بهذه الآية أن يبين أن هذه الصنيفة العاتية من الكفار هي شر الناس عند الله عز وجل، وأنها أخس المنازل لديه، عبر ب {الدواب} ليتأكد ذمهم وليفضل عليهم الكلب العقور والخنزير ونحوهما من السبع، والخمس الفواسق وغيرها، و{الدواب} كل ما دب فهو جميع الحيوان بجملته، وقوله: {الصم البكم} عبارة عما في قلوبهم وقلة انشراح صدورهم وإدراك عقولهم، فلذلك وصفهم بالصم والبكم وسلب العقل، وروي أن هذه الآية نزلت في طائفة من بني الدار وظاهرها العموم فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بهذه الأوصاف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم}
اختلفوا فيمن نزلت على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في بني عبد الدار بن قصيّ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: في المنافقين، قاله ابن إسحاق، والواقدي.
والدواب: اسم كل حيوان يَدِبُّ وقد بينا في سورة [البقرة: 18] معنى الصم والبكم، ولم سمَّاهم بذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

ثم أخبر تعالى أن الكفار شرُّ ما دبَّ على الأرض.
وفي البخاري عن ابن عباس {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ}
قال: هم نفر من بني عبد الدار.
والأصل أشرّ، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال.
وكذا خير؛ الأصل أخير. اهـ.

.قال الخازن:

{إن شر الدواب عند الله} يعني إن شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عند الله: {الصم} عن سماع الحق {البكم} عن النطق به فلا يقولونه {الذين لا يعقلون} يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه ولا يقبلونه وإنما سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم.
قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقتلوا جميعًا يوم أحد وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}
لما أخبر تعالى إنّ هؤلاء المشبّه بهم {لا يسمعون} أخبر أنّ شرّ الحيوان الذي يدبّ {الصمّ} أو أن شرّ البهائم فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب وأخبر أنهم شرّ الحيوان مطلقًا ومعنى {الصم} عن ما يلقى إليهم من {القرآن} البُكم عن الإقرار بالإيمان وما فيه نجاتهم ثم جاء بانتفاء الوصف المنتج لهم الصمم والبكم الناشئين عنه وهو العقل وكان الابتداء بالصمم لأنه ناشيء عنه البكم إذ يلزم أن يكون كلّ أصم خلقه أبكم لأنّ الكلام إنما يتلقنه ويتعلمه من كان سالم حاسة السمع وهذا مطابق لقوله تعالى: {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون} إلا أنه زاد في هذا وصف العمى وكلّ هذه الأوصاف كناية عن انتفاء قبولهم للإيمان وإعراضهم عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الأخبار العموم، وقيل: نزلت في طائفة من بني عبد الدار كانوا يقولون: نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد لا نسمعه ولا نجيبه فقتلوا جميعًا ببدر وكانوا أصحاب اللواء، وقال ابن جريج هم المنافقون، وقال الحسن: هم أهل الكتاب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ شَرَّ الدواب}
استئنافٌ مَسوقٌ لبيان كمالِ سوءِ حالِ المشبه بهم مبالغةً في التحذير وتقريرًا النهي إثرَ تقريرٍ، أي إن شرَّ ما يدب على الأرض أو شرَّ البهائم {عَندَ الله} أي في حكمه وقضائه {الصم} الذين لا يسمعون الحق {البكم} الذين لا ينطِقون به، وُصفوا بالصمم والبَكَم لأن ما خُلق له الأذنُ واللسانُ سماعُ الحق والنطقِ به، وحيث لم يوجد فيهم شيءٌ من ذلك صاروا كأنهم فاقدون للجارحتين رأسًا، وتقديم الصمِّ على البكم لِما أن صُمَّهم متقدمٌ على بُكمهم، فإن السكوتَ عن النطق لِما لحِقَ من فروع عدمِ سماعِهم له كما أن النطقَ به من فروعِ سماعِه ثم وُصفوا بعدم التعقل فقيل: {الذين لاَ يَعْقِلُونَ} تحقيقًا لكمال سوءِ حالِهم فإن الأصمَّ الأبكمَ إذا كان له عقلٌ ربما يفهم بعضَ الأمور ويُفهمُه غيرُه بالإشارة ويهتدي بذلك إلى بعض مطالبِه، وأما إذا كان فاقدًا للعقل أيضًا فهو الغايةُ في الشرّية وسوءِ الحال، وبذلك يظهرُ كونُهم شرًا من البهائم حيث أبطلوا ما به يمتازون عنها وبه يفضّلون على كثير من خلق الله عز وجل فصاروا أخسّ من كل خسيس. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)}
{إِنَّ شَرَّ الدواب} استئناف مسوق لبيان كمال سوء حال المشبه بهم مبالغة في التحذير وتقريرًا للنهي أثر تقرير، والدواب جمع دابة، والمراد بها إما المعنى اللغوي أو العرفي أي أن شر من يدب على الأرض أو شر البهائم {عَندَ الله} أي في حكمه وقضائه {الصم} الذين لا يسمعون الحق {البكم} الذين لا ينطقون به، والجمع على المعني، ووصفوا بذلك لأن ما خلق له الحاستان سماع الحق والنطق به وحيث لم يوجد فيهم شيء من ذلك صاروا كأنهم فاقدون لهما رأسًا.
وتقديم الصم على البكم لما أن صممهم متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له كما أن النطق به من فروع سماعه، وقيل: التقديم لأن وصفهم بالصمم أهم نظرا إلى السابق واللاحق، ثم وصفوا بعدم التعقل في قوله تعالى: {الذين لاَ يَعْقِلُونَ} تحقيقًا لكمال سوء حالهم فإن الأصم الابكم إذا كان له عقل ربما يفهم بعض الأمور ويفهمه غيره ويهتدي إلى بعض مطالبه.
أما إذا كان فاقدًا للعقل أيضًا فقد بلغ الغاية في الشرية وسوء الحال، وبذلك يظهر كونهم شر الدواب حيث أبطلوا ما به يمتازون عنها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة: {إن شر الدواب عند الله الصُم البكم الذين لا يعقلون}
معترضة، وسَوقها في هذا الموضع تعريض بالذين {قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} بأنهم يشبهون دواب صماء بكماء.
والتعريض قد يكون كناية وليس من أصنافها فإن بينه وبين الكناية عمومًا وخصوصًا وجهيًا، لأن التعريض كلام أريد به لازم مدلوله، وأما الكناية فهي لفظ مفرد يراد به لازم معناه إما الحقيقي كقوله تعالى: {وأمرت لأن أكون أول المسلمين} [الزمر: 12]، وإما المجازي نحو قولهم للجواد: جبان الكلب إذا لم يكن له كلب، فأما التعريض فليس إرادة لازم معنى لفظ مفرد ولا لازم معنى تركيب، وإنما هو إرادة لنطق المتكلم بكلامه، قال في الكشاف عند قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء} في سورة [البقرة: 235] التعريض أن تذكر شيئًا يدل به على شيء لم تذكره يريد أن تذكر كلامًا دالًا كما يقول المحتاج لغيره جئت لأسلم عليك.
قلت: ومن أمثلة التعريض قول القائل حين يسمع رجلًا يسب مسلمًا أو يضربه: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فكذلك قوله تعالى: {إن شر الدوابّ عند الله الصم البكم} لم يرد به لازم معنى ألفاظ ولا لازم معنى الكلام، ولكن أريد به لازم النطق به في ذلك المكان بدون مقتض للإخبار من حقيقة ولا مجاز ولا تمثيل.
والفرق بين التعريض وبين ضرب المثل: أن ضرب المثل ذكر كلام يدل على تشبيه هيئة مضربه بهيئة مورده، والتعريض ليس فيه تشبيه هيئة بهيئة.
فالتعريض كلام مستعمل في حقيقته أو مجازه، ويحصل به قصد التعريض من قرينة سوقه فالتعريض من مستتبعات التراكيب.
وهذه الآية تعريض بتشبيههم بالدواب، فإن الدواب ضعيفة الإدراك، فإذا كانت صماء كانت مثلًا في انتفاء الإدراك، وإذا كانت مع ذلك بكمًا انعدم منها ما انعدم منها ما يعرف به صاحبها ما بها، فانضم عدم الإفهام إلى عدم الفهم، فقوله: {الصم البكم} خبرَاننِ عن الدواب بمعناهما الحقيقي، وقوله: {الذين لا يعقلون} خبر ثالث، وهذا عدول عن التشبيه إلى التوصيف لأن {الذين} مما يناسب المشبّهين إذ هو اسم موصول بصيغة جمع العقلاء وهذا تخلص إلى أحوال المشبهين كما تخلص طرفة في قوله:
خذول تُراعي رَبْربًا بخميلة ** تَنَاول أطراف البرير وترتدي

وتبسم عن ألْمى كأنّ منوّرًا ** توسط حرُ الرمل دعص له نَدِي

و{شر} اسم تفضيل، وأصله أشر فحذفت همزته تخفيًا كما حذفت همزة خير كقوله تعالى: {قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبةً عند الله} [المائدة: 60] الآية.
والمراد بالدواب معناه الحقيقي، وظاهر أن الدابة الصمّاء البكماء أخسّ الدواب.
{عند الله} قيد أريد به زيادة تحقيق كونهم، أشر الدواب بأن ذلك مقرر في علم الله، وليس مجرد اصطلاح ادعائي، أي هذه هي الحقيقة في تفاضل الأنواع لا في تسامح العرف والاصطلاح، فالعُرف يُعد الإنسان أكمل من البهائم، والحقيقة تفصل حالات الإنسان فالإنسان المنتفع بمواهبه فيما يُبلغه إلى الكمال هو بحق أفضل من العُجم، والإنسان الذي دَلّى بنفسه إلى حَضيض تعطيل انتفاعه بمواهبه السامية يصير أحط من العجماوات.
والمشبهون بالصم البكم هم الذين قالوا {سمعنا وهم لا يسمعون}، شبهوا بالصم في عدم الانتفاع بما سمعوا لأنه مما يكفي سماعه في قبوله والعمل به وشبهوا بالبكم في انقطاع الحجة والعجز عن رد ما جاءهم به القرآن فهمُ ما قبلوا ولا أظهروا عذرًا عن عدم قبوله.
ولما وصفهم بانتهاء قبول المعقولات والعجز عن النطق بالحجة أتبعه بانتفاء العقل عنهم أي عقل النظر والتأمل بله عقل التقبل، وقد وصف بهذه الأوصاف في القرآن كل من المشركين والمنافقين في مواضع كثيرة.
ولعل ما روي عن ابن عباس من قوله إن الآية نزلت في نفر من بني عبد الدار كما تقدم آنفًا إنما عنى بهم نزول قوله تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} لأنهم الذين قالوا مقالة تقرب مما جاء في الآية. اهـ.